مريم طلعت السادات تكتب | الهيدروجين الأخضر.. طاقة المستقبل النظيفة


في ظل السعي العالمي للحد من الانبعاثات الكربونية وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ظهر الهيدروجين الأخضر كأحد الحلول الواعدة لتحقيق أهداف الاستدامة. الهيدروجين الأخضر، الذي يتم إنتاجه باستخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الشمس أو الرياح، يُعد نقلة نوعية في مجال الطاقة البديلة، حيث يوفر مصدرًا خاليًا من الانبعاثات وقادرًا على تلبية احتياجات العديد من القطاعات الاقتصادية. الهيدروجين هو العنصر الأكثر وفرة في الكون، ويأتي الهيدروجين الأخضر من عملية تسمى التحليل الكهربائي، وهي عملية تقسيم جزيئات الماء (H₂O) إلى أكسجين وهيدروجين باستخدام الكهرباء. الفرق بين الهيدروجين الأخضر وأشكال الهيدروجين الأخرى، مثل الهيدروجين الرمادي أو الأزرق، يكمن في مصدر الكهرباء. بالنسبة للهيدروجين الأخضر، تأتي الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية، مما يعني أن عملية الإنتاج لا تطلق غازات دفيئة، وهو ما يجعله خيارًا صديقًا للبيئة. يعتبر الهيدروجين الأخضر مهما لعدة أسباب منها انه نظيف ومستدام: الهيدروجين الأخضر هو مصدر طاقة خالٍ من الكربون، ولا ينتج عنه أي انبعاثات ضارة خلال عملية إنتاجه أو استخدامه. هذه الميزة تجعل الهيدروجين الأخضر جذابًا في الجهود العالمية للحد من الاحتباس الحراري وتحقيق الأهداف البيئية المنصوص عليها في اتفاقية باريس للمناخ. ومتعدد الاستخدامات إذ أنه يمكن استخدامه في العديد من المجالات مثل قطاع النقل، يمكنه تشغيل السيارات والشاحنات وحتى الطائرات، مما يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري. في الصناعات الثقيلة مثل صناعة الحديد والصلب، يُستخدم الهيدروجين لتقليل انبعاثات الكربون. كما يمكن تخزينه ونقله بكفاءة، مما يجعله وسيلة مرنة لتوليد الطاقة عند الحاجة. وأخيرا دعم استقرار شبكة الكهرباء: الهيدروجين الأخضر يمكن تخزينه لفترات طويلة واستخدامه عند الحاجة لتوليد الكهرباء، مما يساعد على تحقيق استقرار شبكات الكهرباء التي تعتمد بشكل متزايد على مصادر الطاقة المتجددة المتغيرة مثل الرياح والشمس. رغم الفوائد الكبيرة للهيدروجين الأخضر، إلا أنه يواجه عدة تحديات. أبرزها هو التكلفة، حيث إن إنتاج الهيدروجين الأخضر حاليًا أكثر تكلفة مقارنة بالهيدروجين المستخرج من الوقود الأحفوري، مثل الهيدروجين الرمادي أو الأزرق. ذلك يرجع جزئيًا إلى التكلفة العالية لبناء منشآت الطاقة المتجددة والبنية التحتية اللازمة لإنتاج الهيدروجين. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى تطوير بنية تحتية متقدمة لتوزيع واستخدام الهيدروجين الأخضر على نطاق واسع. هذا يشمل خطوط الأنابيب، محطات التعبئة، وتقنيات التخزين. وبسبب إمكانياته الواعدة، استثمرت العديد من الدول والشركات العالمية بشكل كبير في الهيدروجين الأخضر.
على سبيل المثال: وضع الاتحاد الأوروبي خططًا طموحة لتوسيع استخدام الهيدروجين الأخضر كجزء من استراتيجيته لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، واستثمرت ألمانيا مليارات في مشاريع الهيدروجين الأخضر لتطوير صناعتها وتقليل انبعاثاتها الصناعية.
الشرق الأوسط وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات، تبنتا خططًا لقيادة إنتاج الهيدروجين الأخضر، مع التركيز على تصديره إلى الأسواق العالمية، وذلك في إطار مساعيهما لتنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط. ومن المتوقع أن يلعب الهيدروجين الأخضر دورًا رئيسيًا في التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة مع الابتكارات التقنية المتزايدة وتطور تقنيات الإنتاج، من المحتمل أن تنخفض تكلفته تدريجيًا، مما يجعله أكثر تنافسية مقارنة بأنواع الطاقة الأخرى. كما أن الدعم الحكومي والسياسات المناخية ستكون عوامل حاسمة في تسريع تبني الهيدروجين الأخضر على نطاق واسع. في الختام، يُعَد الهيدروجين الأخضر خيارًا واعدًا لمستقبل الطاقة النظيفة والمستدامة. ورغم التحديات، تأثيره الإيجابي على البيئة والمزايا الاقتصادية الكبيرة تجعله عنصرًا رئيسيًا في الجهود العالمية للتصدي للتغير المناخي.